فصل: من لطائف القشيري في الآية الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سؤال: لم عبر القرآن عن طريقتهم بالملة مرة وبالأهواء أخرى؟

والجواب: عبر عن طريقتهم هنالك بالملة نظرًا لاعتقادهم وشهرة ذلك عند العرب، وعبر عنها هنا بالأهواء بعد أن مهد له بقوله: {إن هدى الله هو الهدى} فإن الهوى رأي ناشئ عن شهوة لا عن دليل، ولهذا لم يؤت بالضمير الراجع للملة وعبر عنها بالاسم الظاهر فشملت أهواؤهم التكذيبَ بالنبيء وبالقرآن واعتقادَهم أن ملتهم لا ينقضها شرع آخر. اهـ.

.سؤال: فإن قيل لم عطف النصير على الولى؟

فالجواب: عطف النصير على الولي احتراس لأن نفي الولي لا يقتضي نفي كل نصير إذ لا يكون لأحد ولي لكونه دخيلًا في قبيلة ويكون أنصاره من جيرته. وكان القصد من نفي الولاية التعريض بهم في اعتقادهم أنهم أبناء الله وأحباؤه فنفى ذلك عنهم حيث لم يتبعوا دعوة الإسلام ثم نفى الأعم منه وهذه نكتة عدم الاقتصار على نفي الأعم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية الكريمة:

لا تبالِ برضاء الأعداء بعد ما حصل لك رضانا، فإنهم لا يرضون عنك إلا بمتابعة أديانهم، ودون ذلك لهم حظ القتال فَأَعْلِنْ التبري منهم، وأظهر الخلاف معهم، وانصب العداوة لهم، واعلم أن مساكنتهم إلى ما يرضون سبب الشقاوة المؤبدة، فاحرص ألا يخطر ذلك بِبالِك، وادعُ- إلى البراءةِ عنهم وعن طريقتهم- أُمَّتَكَ، وكُنْ بِنا لَنَا، مٌتَبرِّيًا عمن سوانا، واثقًا بنصرتنا، فإنَّكَ بِنَا وَلَنَا. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَلَن ترضى عَنكَ اليهود} كان بعضهم يقول: غالب استعمال الملة فيما عدا الدّين المحمدي، ولذلك كانوا ينتقدون على أثير الدين الأبهري في كتابه في أصول الدين حيث قالوا: قال المليون: يعني به الإسلاميين قال: وهذا على حذف: وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ حَتّى تتبعَ مِلتهُم ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، وفيه المبالغة في لفظ {لَن} و{حَتَّى} وفي تكرير {لاَ}. اهـ.

.لطيفة في المقصود بهدى الله تعالى:

قيل لابن عرفة: النصارى يوافقوننا على ذلك ويقولون: إن دينهم هُو هُدى الله؟
فقال: إن هُدَى الله على ثلاثة أقسام:
هدى باعتبار ما في نفس الأمر، وهدى باعتبار الدليل العقلي، وهدى باعتبار الدعوى؛ فالمراد أن هدى الله الذي دل الدليل العقلي عليه هو الهدى، وهو الهادي إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.فصل في المراد بهذا الخطاب:

سؤال من المخاطب بقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ}.
قيل: المراد بهذا الخطاب الأمة كقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، فالخطاب مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمراد الأمة.
{بَعْدَ الذي جَاءَكَ مِنَ العلم} البيان بأن دين الله هو الإسلام، والقبلة قبلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهي الكَعْبَةٌ. اهـ.

.فائدة جليلة:

سئل الإمام أحمد رحمه الله عمن يقول: القرآن مخلوق، فقال: كافر.
فقيل: بم كفرته؟ فقال: بآية من كتاب الله، تعالى، {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العلم} [البقرة: 145] فالقرآن من علم الله تعالى، فمن زعم أنه مخلوق فقد كفر. اهـ.
سؤال: ما المراد بالذى جاءه من العلم؟
الجواب: وفي الذي جاءه من العلم أربعة أقوال. أحدها: أنه التحول إلى الكعبة، قاله ابن عباس. والثاني: أنه البيان بأن دين الله الإسلام، والثالث: أنه القرآن. والرابع: العلم بضلالة القوم. اهـ.

.فروق دقيقة بين الملة والدين والشريعة:

والملة في الأصل اسم من أمللت الكتاب بمعنى أمليته كما قال الراغب، ومنه طريق ملول أي مسلوك معلوم كما نقله الأزهري ثم نقلت إلى أصول الشرائع باعتبار أنها يمليها النبي صلى الله عليه وسلم ولا يختلف الأنبياء عليهم السلام فيها، وقد تطلق على الباطل كالكفر ملة واحدة، ولا تضاف إليه سبحانه فلا يقال ملة الله، ولا إلى آحاد الأمة، والدين يرادفها صدقًا لكنه باعتبار قبول المأمورين لأنه في الأصل الطاعة والانقياد ولاتحاد ما صدقهما قال تعالى: {دِينًا قِيَمًا مّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [الأنغام: 161] وقد يطلق الدين على الفروع تجوزًا، ويضاف إلى الله تعالى وإلى الآحاد وإلى طوائف مخصوصة نظرًا إلى الأصل على أن تغاير الاعتبار كاف في صحة الإضافة، ويقع على الباطل أيضًا، وأما الشريعة فهي المورد في الأصل، وجعلت اسمًا للأحكام الجزئية المتعلقة بالمعاش والمعاد سواء كانت منصوصة من الشارع أو لا لكنها راجعة إليه والنسخ والتبديل يقع فيها، وتطلق على الأصول الكلية تجوزًا قاله بعض المحققين. اهـ.

.فائدة جليلة في قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} وما شابهها:

وقد أجاب القاضى عِيَاضٌ عن الآيِ الواردةِ في القرآن ممَّا يوهمُ ظاهره إِشكالًا، فقال رحمه اللَّه: اعلم، وفَّقنا اللَّه وإياك، أنه عليه السلام لا يصحُّ ولا يجوز علَيْه ألاَّ يبلغ، وأن يخالف أمر ربه، ولا أن يشرك ولا أن يتقوَّل على اللَّه ما لا يجبُ أو يفترى عليه، أو يضل، أو يختم على قلبه، أو يطيع الكافرين، لكن اللَّه أمره بالمكاشفةِ والبيان في البلاغ للمخالِفِينَ، وإن إِبلاغه، إِنْ لم يكُنْ بهذا البيان فكأنه ما بلَّغ، وطيَّب نفسه، وقوَّى قلبه بقوله تعالى: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} [المائدة: 67] كما قال لموسى وهارون- عليها السلام: {لاَ تَخَافَا} [طه: 46] لتشتد بصائرهم في الإِبلاغ وإِظهار دين اللَّهِ، ويذهب عنهمْ خَوْفُ العدوِّ المضعف لليقين، وأما قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل} [الحاقة: 44] وقوله: {إِذًا لأذقناك ضِعْفَ الحياة} [الإسراء: 75] فمعناه: أنَّ هذا هو جزاء من فعل هذا، وجزاؤك لو كنت ممن يفعله، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعله، وكذلك قوله تعالَى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرض} [الأنعام: 116] فالمراد غيره، كما قال: {إِن تُطِيعُواْ الذين كَفَرُواْ} [آل عمران: 149] وقوله: {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ} [الشورى: 24] و{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وما أشبهه، فالمراد غيره، وأن هذا حال مَنْ أشرك، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَجُوزُ عليه هذا، وقوله تعالى: {اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين} [الأحزاب: 1] فليس فيه أنه أطاعهم، واللَّه يَنْهَاهُ عما يشاء، ويأمره بما يشاء؛ كما قال تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم} [الأنعام: 52] الآية، وما كان طَرَدَهُمْ عليه السلام ولا كَانَ من الظالمين. انتهى من الشِّفَا.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.
كان اليهود يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخل لؤم وكيد فيقولون هادنا، أي قل لنا ما في كتابنا حتى ننظر إذا كنا نتبعك أم لا.. يريد الله تبارك وتعالى أن يقطع على اليهود سبيل الكيد والمكر برسول الله صلى الله عليه وسلم.. بأنه لا اليهود ولا النصارى سيتبعون ملتك.. وإنما هم يريدون أن تتبع أنت ملتهم.. أنت تريد أن يكونوا معك وهم يطمعون أن تكون معهم.. فقال الله سبحانه: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}.. نلاحظ هنا تكرار النفي وذلك حتى نفهم أن رضا اليهود غير رضا النصارى.. ولو قال الحق تبارك وتعالى، ولن ترضى عنك اليهود والنصارى بدون لا.. لكان معنى ذلك أنهم مجتمعون على رضا واحد أو متفقون.. ولكنهم مختلفون بدليل أن الله تعالى قال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} من الآية 113 سورة البقرة.
إذن فلا يصح أن يقال فلن ترضى عنك اليهود والنصارى.. والله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لن ترضى عنك اليهود ولن ترضى عنك النصارى.. وإنك لو صادفت رضا اليهود فلن ترضى عنك النصارى.. وإن صادفت رضا النصارى فلن ترضى عنك اليهود.. ثم يقول الحق سبحانه: {حتى تتبع ملتهم}.. والملة هي الدين وسميت بالملة لأنك تميل إليها حتى ولو كانت باطلا.. والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)} سورة الكافرون.
فجعل لهم دينا وهم كافرون ومشركون.. ولكن ما الذي يعصمنا من أن نتبع ملة اليهود أو ملة النصارى.. الحق جل جلاله يقول: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ} من الآية 73 سورة آل عمران.
فاليهود حرفوا في ملتهم والنصارى حرفوا فيها.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه هدى الله.. والهدى هو ما يوصلك إلي الغاية من أقصر طريق.. أو هو الطريق المستقيم باعتباره أقصر الطرق إلي الغاية.. وهدى الله طريق واحد، أما هدى البشر فكل واحد له هدى ينبع من هواه. ومن هنا فإنها طرق متشبعة ومتعددة توصلك إلي الضلال.. ولكن الهدى الذي يوصل للحق هو هدى واحد.. هدى الله عز وجل.
وقوله تعالى: {ولئن اتبعت أهواءهم} إشارة من الله سبحانه وتعالى إلي أن ملة اليهود وملة النصارى أهواء بشرية.. والأهواء جمع هوى.. والهوى هو ما تريده النفس باطلا بعيدا عن الحق.. لذلك يقول الله جل جلاله: {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير}.
والله تبارك وتعالى يقول لرسوله لو اتبعت الطريق المعوج المليء بالشهوات بغير حق.. سواء كان طريق اليهود أو طريق النصارى بعدما جاءك من الله من الهدى فليس لك من الله من ولي يتولى أمرك ويحفظك ولا نصير ينصرك. وهذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن نقل معه وقفة لنتأمل كيف يخاطب الله رسوله صلى الله عليه وسلم الذي اصطفاه.. فالله حين يوجه هذا الخطاب لمحمد عليه الصلاة والسلام.. فالمراد به أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباع رسول الله الذين سيأتون من بعده.. وهم الذين يمكن أن تميل قلوبهم إلي اليهود والنصارى.. أما الرسول فقد عصمه الله من أن يتبعهم.
والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعلم يقينا أن ما لم يقبله من رسوله عليه الصلاة والسلام.. لا يمكن أن يقبله من أحد من أمته مهما علا شأنه.. وذلك حتى لا يأتي بعد رسول الله من يدعي العلم.. ويقول نتبع ملة اليهود أو النصارى لنجذبهم إلينا.. نقول له لا ما لم يقبله الله من حبيبه ورسوله لا يقبله من أحد. إن ضرب المثل هنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقصود به أن اتباع ملة اليهود أو النصارى مرفوض تماما تحت أي ظرف من الظروف، لقد ضرب الله سبحانه المثل برسوله حتى يقطع على المغرضين أي طريق للعبث بهذا الدين بحجة التقارب مع اليهود والنصارى. اهـ.

.بحوث مهمة:

.1- سؤال عن عصمة الأنبياء:

العبارة القرآنية: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} قد تثير سؤالا بشأن عصمة الأنبياء، فهل يمكن للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم- وهو معصوم- أن يتبع أهواء المنحرفين من اليهود والنصارى؟
في الجواب نقول: مثل هذه التعبيرات تكررت في القرآن الكريم، ولا تتعارض مع مقام عصمة الأنبياء، لأنها- من جهة- جملة شرطية، والجملة الشرطيّة لا تدل على تحقق الشرط.
ومن جهة أخرى، عصمة الأنبياء لا تجعل الذنب على الأنبياء محالا، بل المعصوم له قدرة على ارتكاب الذنب، ولم يسلب منه الاختيار، ومع ذلك لم يتلوث بالذنوب. بعبارة أخرى: إن المعصوم قادر على الذنب، ولكن إيمانه وعلمه وتقواه بدرجة لا تجعله يتجه معها إلى ذنب. من هنا فالتحذيرات المذكورة بشأنهم مناسبة تمامًا.
من جهة ثالثة، هذا الخطاب وإن اتجه إلى النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن قد يكون موجهًا إلى النّاس جميعًا.

.2- للاسترضاء حدود:

صحيح أن الإِنسان الرّسالي يجب أن يسعى بأخلاقه إلى جذب الأعداء إلى صفوف الدعوة، لكن مثل هذا الموقف يجب أن يكون تجاه المخالفين المرنين الليّنين، أما الموقف تجاه المعاندين المتصلبين فينبغي أن يكون غير ذلك. لا يجوز إهدار الوقت مع هؤلاء، بل لابدّ من الإِعراض عنهم وتركهم.

.3- {إنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى}:

نفهم من الآية المذكورة أن القانون الوحيد القادر على إنقاذ البشرية هو قانون الهداية الإِلهية، لأن علم البشر- مهما قدر له من التكامل- يبقى مخلوطًا بالجهل والشك والقصور في جهات مختلفة. والهداية في ضوء مثل هذا العلم الناقص لا يمكن أن تكون هداية مطلقة، ولا يستطيع أن يضع للإنسان برنامج الهداية المطلقة إلا من له علم مطلق، ومن هو خال من الجهل والنقص، وهو الله وحده. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)}.
أخرج الثعلبي عن ابن عباس أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم، فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم وأيسوا منه أن يوافقهم على دينهم، فأنزل الله: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى} الآية. اهـ.